
وقد أوصت الدراسة عند تطبيق نظرية دوامة الصمت بضرورة تحديد الشكل الذي تبدو عليه المشاركة بالضبط في بيئة الإنترنت، هل هي مشاركة منشورات وتعليقات أم ردود على تعليق أو منشور؟ وهل يتم الإعجاب بمنشور من خلال تعليق نصي أو باستخدام الرموز التعبيرية الأخرى؟ إضافة إلى ضرورة تحديد سياق المشاركات ودرجة المساواة الرقمية بين المشاركين، ومدى استخدامهم لهويتهم الحقيقية، وتحديد الموضوعات والقضايا التي تدفع الفرد إلى الانخراط في السجال العمومي، والتعبير صراحة عن آرائه والمواضيع التي تميل إلى جعله يتخذ موقف الصمت تجاهها.
وبالمختصر، فإن الفضاء العمومي صار أكثر التباسا بعد أن امتلك صفتين: الأولى متعلقة بصورته العادية كفضاء للقاء والتلاقي، والثانية له ميزة افتراضية متعلقة بعوالمنا الجديدة المملوكة للحواسيب وخوارزميات العقل الأداتي في كل أشكاله وأنماطه، فكان أن صار هذا التحول مدعاة لإعادة النظر في كل مقولات الفكر السياسي المعاصر، من قبيل سؤال العدالة والحرية والديمقراطية والمواطنة؛ لأنه فرض نظاما جديدا من التواصل قوامه نزع الحدود وتجاوز منطق الدولة الأمة، نحو المواطنة العابرة لكل الأسوار، وهو ما استدعى التفكير في سياسات جديدة قوامها الاعتراف ومطلب الاختلاف، لتجاوز مطبات السقوط في مأزق المواطنة من درجة أولى وأخرى من درجة ثانية على شاكلة ما فعلته الأنظمة الاستعمارية في السابق؛ ذلك أن الفضاء العمومي الافتراضي يشترط مساواة مطلقة، لا يناسبها أبدا النظر للآخر بدونية، وما لم يحدث هذا التغيير الجوهري الذي قوامه الاعتراف والإيمان بالحق في الاختلاف فإن الفضاء العمومي والمواطنة ومعهما الأنظمة الديمقراطية وسؤال العدالة ستكون جميعها على المحك، لأنها ستمسي متناقضة مع مبادئها وأسسها، ولعله ما يحدث فعلا الآن.
وتشير دراسة قام بها هولت وزملائه إلى أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يزيد من الاهتمام والمشاركة السياسية، وقد وجدت دراسة أخرى مشابهة قام بها جيل دي زينيجا وآخرون بأن الاستخدام الإعلامي لمواقع التواصل الاجتماعي كان له ارتباط إيجابي بالمشاركة السياسية الموصولة بالإنترنت وكذلك المشاركة غير الموصولة بالإنترنت، وتؤكد هذه النتائج على تلك الإمكانات التي تمتلكها الوسائط الرقمية وخاصة التفاعلية منها في تعبئة الناس وفئة الشباب بشكل خاص بغرض المشاركة الفعّالة في الحياة المدنية والسياسية.
هل يصوت المهاجرون غير الشرعيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ؟
رغم أنه في حالة تايلور مبني على هواجس مخالفة، تريد الإجابة على أسئلة "التعددية"، وعن سؤال "طبيعة" الوجود الإنساني، و"غاياته" في الآن ذاته.
وهذا يعني إلزامية النظر نحو التحول الذي طال الفضاء العمومي من معانيه المحددة والعامة، إلى منطقه الافتراضي الجديد الذي يحكمه على أساس أنه يحتمل الوجهين معا كما في إشارات هابرماس الذي كان من السباقين إلى طرح فكرة إلزامية التعامل مع الفضاء العمومي باعتباره حمالا لوجهين الامارات وجامع لمعنيين، فهو يضم الفضاءات والأمكنة المعلومة بتلاقي الأفراد والأفكار والرؤى والتصورات والاهتمامات، ولكنه يرتبط أيضا بالفضاءات العنكبوتية الافتراضية التي لا يكون فيها النقاش وطرح الأفكار متخذا شكل "الأغورا" التقليدية.
كما استعرضت الدراسة مجموعة من السمات المتعلقة بالتواصل الشبكي، التي تحفز الفرد في التعبير عن رأيه، وتضعف من دوامة الصمت، وقد تمثلت في إنشاء أو الانضمام إلى مجموعات افتراضية متوافقة، وعدم الكشف عن الهوية، وغياب الحضور المادي والاتصال المباشر.
وفي الآونة الأخيرة برزت تحيزات لمن يقوم بتأسيس المواقع والشبكات الافتراضية من حيث انتقاء المعلومات التي تؤيد وجهة نظره فقط، الأمر الذي يقوم به أيضا من يقوم بإنشاء صفحات معارضة بما ينعكس في النهاية في الإضرار بالقضية محل الاهتمام وتضليل الرأي العام، وهو ما يكون له تأثير بالغ في المجتمع ويكون مناخا مناسبا للصراع الطائفي والعقائدي والنزاع الشخصي والجماعي.
ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية. جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كاتبها فقط
وأثر بروز هذا النموذج الاتصالي الجديد في أمريكا وأوروبا الغربية كنموذج ذي قيمة معيارية تأثيرا بارزا على أسلوب العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد، كونه فضاء عموميا مستغلا من طرف وسائل الإعلام السمعية البصرية ذات الاستراتيجيات والأهداف المعينة والمسطرة لسيرورة النسق الاجتماعي لمجتمعاتها ويمكن تشخيص هذا الفضاء العمومي على الشكل التالي:
أولا- الفضاء العمومي وثنائية الواقعي والافتراضي: دلالات والتباسات
هل يصوت المهاجرون غير الشرعيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ؟
إن حاجة الأفراد إلى الانتماء تتفوق على إرادتهم ورغبتهم في التعبير عن آرائهم الحرة والمستقلة.
التخلي عن التطبيق الآلي للمقاربة الهابرماسية التي تؤدي في السياق العربي إلى نتيجتين هما نفي إمكانية المجال العمومي أصلا بما أنه ظاهرة غربية خاصة بالحداثة، أو الإقرار بوجود مجال عمومي مشوه الملامح وضعيف وغير فعال كما توحي إلى ذلك مقاربة دافيد لينش عل سبيل المثال.
تكمن قوة الفكر السياسي الراهن في سلطة أحقية تدبيره للاستشكالات والمقولات المركزية للتداول المعاصر، كما هو الأمر في تدبير أسئلة المواطنة بما تتيحه من ممكنات الترابط والجوار مع جوهر القول السياسي في الدولة، الفضاء العمومي، الديمقراطية، القانون، الهوية، المعنى، ومعها باقي المطالب الملحة المعنية بتحدي مجاراة أسئلة الاعتراف والتعددية وحق الاختلاف، حين يجري الحديث مثلا عن مواطنة من درجة أولى وأخرى من درجة ثانية، ومعه أيضا إلحاحية تدبير هذا التعالق المفاهيمي وتشويشاته النظرية حين يجري التعامل مع "المواطنة" في سياقات أشمل تتلون دوما بأسئلة ومآزق ومستجدات الإنسان المعاصر وما يمسه جراء الفضاء الافتراضي انقلابات نظام كينونته وشروط وجوده، المحكوم بواقعية التقدم العلمي والثورة التقنية، حتى أضحت المواطنة مجبرة على تطويع بنيتها التقليدية استجابة لشرط تشكل ما يجري تسميته بالمواطنة الفسيحة والسائلة، والمُنسكبة بوضوح ضمن "الفضاء العام فوق موضعي" باعتبارها مواطنة كونية ميزتها تجاوز الانعزالات الوطنية والقومية.